قال ايه لحوم العلماء مسمومة

من طرف saber_tooth 2007-10-20, 2:23 am

بسم الله الرحمن الرحيم .

مازلت أذكر ذلك اليوم حين كنت جالسا ً في إحدى المحاظرات التي تقام في ( استديوهات القنوات ) أو ( مركز تجمعٍ للشباب والفتيات) لم أكن أحرص دوماً على الحضور لمثل هذه التجمعات ليس تكبراً ولا تعالياً على ما يُطرح لكن أعتقد أنّ الكلام أصبح مكرراً وأصبحت تسمع للشريط الإسلامي للشيخ ( فلان ) ثم تقرأ إعلاناً عن محاضرة له في المكان الفلاني وتذهب و تنصدم بأنّه نفس الكلامِ قد أعاده ما يدفعني في الأغلب للذهاب هو الحصول على فضل المكوث في حلقة علم يتدارس فيها الخير وقول ( قوموا مغفوراً لكم ) أكبر المحفزات للذهاب .
ليس هذا موضوعنا أو ما نريد التحدث عنه كنت ذهبت ولم ترق لي المحاضرة ليس لشيء لكني رأيت من الشيخ انتهاجه لمنهج جانب الصواب قليلاً حيث أخذ يقول ويفتي بأقوال مرجوحة فالتفتُ إلى صاحبي وقلت ( أخطأ الشيخ ) فكاد يصفعني ! و احمرّت عيناه وقال ( نتفاهم إذا طلعنا ) ! استغربت قلت ( على ايه نتفاهم ؟ ) لم يجبني وأكمل استماعه للمحاضرة وأكملت معه .
وفي أوّل خطوةٍ نخطوها خارج هذا المكان يمسكني ويقول ( مش عارف إن لحوم العلماء مسمومة ) !! قلت ( إلا عارف ) قال ( إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم ) ما شاء الله طلع أديب أخونا المحترم قلت ( لكن عملت ايه أنا ايه جاب لجاب ؟ ) قال ( ازاي تقول أخطأ الشيخ ) ! قلت ( ليه هو ملك ولا رسول لا سمح الله ؟ ) قال ( لا .. بس ... ) وصمت بعدها ! استغربت تهجّمه علي وكأني ارتكبت جُرماً لا يُغتفر تفرقنا .. وبعدها بأيام اُبتلى بصاحبٍ آخر يقول لي وقت قلتُ عن أحد الدعاة لم يعجبني طريقة تحدّثه و اصدراه لبعض الأحكام فصرخ في وجهي حيث أنّه كان للتو أصبح مستقيماً ( ازاي تقول كدا مش عارف إن لحوم العلماء مسمومة ) قلت ( علماء ايه بتتكلم عنهم ) قال ( والي انت بتتكلم عنه مش عالم؟ ) قلت ( الله عالدنيا دلوقتي دوله اصبحوا علماء ! ) فنفر منّي وكأني قلتُ جرماً أصبح الدعاة الذين ( يحفظون آيتين ويجي يقولهم للناس عالم مبجّل ولا يجوز أن تخالفه ولا أن تقدح في علمه على المنهج الصحيح قبل يومين سنكوح وتاب ودلوقتي يقال العالم المعروف والداعية الجهبذ وأسطورة زمانه ) وهناك في الحضور من هو أخير منه !
أصبح لفظ عالم يطلق على من ( حفظ الأربعين النووية ) وعرف معاني الكلمات في الأحاديث الأربعين فقط ! لو كان كذلك لأصبحت أنا أعلم منهم بكثير إذاً لأصبحت ابن تيمية زماني الذي لا يشقُّ لي غبار .
وكان لزاماً على الشخص أن يفرق بين العلماء وغيرهم وأصل المقولة – كما بحثت – ليست حديثاً ولا قرآناً بل هو قولٌ لابن عساكر حيث قال : ( اعلم أخي –وفقني الله وإياك إلى مرضاته وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته – أنّ لُحوم العلماء مسمومة وعادة الله في أستار مُنتقصهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاهُ الله قبل موته بموت القلب ... ) أعلمُ أنّ الله جعل للعلماء فضلاً كبيراً وقدراً جليلاً حين قال عز وجل : { إنما يخشى الله من عباده العلماء .. } وقال أيضاً : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .. } قال بعض المفسرين أولو الأمر هم العلماء وكما روى أبو الدرداء عن رسولنا الكريم : { فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر .. } أخرجه أبو داود والترمذي والدرامي وهو حديثٌ حسن .
وعقيدة أهل السنّة والجماعة فيها تبجيل العلماء يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله - : ( أنهم يدينون الله باحترام العلماء الهداة } .
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم - - - على الهدى لمن استهدى أذلاء
وقدرُ كلِّ امرءٍ ما كان يحسنه - - - والجاهلون لأهل العلم أعـداء
فمن هنا نعلم أنّه ليس كل من حفظ آيتين قيل عنه عالم وذُبَّ عن عرضه كعرض العلماء يبقى هو مسلماً ليس كجرم غيبة العالم !

ولتعلم أنت يا من تنهش من أعراض العلماء أنّك على خطرٍ جسيم وأمرٍ بالغ الخطورة وما أبلغ قول أحد العلماء : (
أعراض العلماء على حفرةٍ من حفر جهنّم ) ويقول الرسول الكريم في الحديث الذي رواه أبو هريرة وخرجّه البخاري : ( قال الله – عزّ وجل – في الحديث القدسي : { من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ... } روى الخطيب البغدادي عن أبي حنيفة والشافعي – رحمهما الله – أنهما قالا : ( إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي ) قال الشافعي : ( الفقهاء العامل
ون ) أي أن المراد : هم العلماء العاملون .
وشتّان بين العلماء الذين يدافع عنهم – صاحبي – وبين علماء السلف الصالح حينما أرى " بعضهم " أتمثلُ قولَ الشاعر :
يا أيـها الرجل المعلّم غيره - - - هلاّ لنفسك كان ذا التعليم
لا تنه عن خُلقٍ وتأتي غيرهُ - - - عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيم
وأتـمثل قوله جلّ في علاه : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم .. } " البقرة:44 "
العلماء هو أؤلئك الذين يكونون جريئين في الحق ولا يخافون في الله لومة لائم ليس أؤلئك الذين يجمعونهم على ( كهلي و أكهلك ) أنا هنا لا أنكر تجمعاتهم ومالها من أثر لكن أقول ليسوا بعلماء بل هم دعاة ! إليك نموذجاً للعلماء الربانيين الذي يصدحون بالحق وفي وجه أي رجلٍ كان ! هاهو العز بن عبد السلام ( سلطان العلماء ) مع الملك الصالح أيّوب .
كان الملك الصالح أيّوب يتولى الشام وبسبب خلاف بينه وبين أبناء عمّه تنازل للنصارى عن بعض الحصون فلما خطب العز بن عبد السلام في جامع بني أميّة بدمشق يوم الجمعة كان مما قال : ( اللهم أبرم لهذه الأمّة أمراً رشدا يعزُّ فيه أهل طاعتك ويُذلُّ فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ) وأفتى الناس بعدم جواز بيع الأسلحة للنصارى الذي أخذوا يشترونها من دمشق فغضب الملك وسجن العزّ بن عبد السلام ومن قبله سُجِن الإمام أحمد بن حنبل وكثيرٌ من العلماء { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } ثم أرسل الملك إلى العزِّ في السجن أحد أعوانه وحاشيته فقال له : أنا أتوسط لك عند الملك ليخرجك ولكني أريد منك شيئاً واحداً فقط وهو أن تعتذر إلى الملك وتقّبل رأسه فقال العز : ( دعكَ عنّي والله لا أرضى أن يقبّل السلطان يدي عافاني الله مما ابتلاكم به يا قوم أنا في وادٍ وأنتم في واد ) وذهب الملك لمقابلة قادة النصارى فأخذ معه العز بن عبد السلام وسجنه في خيمة وبينما كان الملك جالساً مع النصارى إذا بالعزِّ يقرأ القرآن ويصل صوته إليهم فقال الملك : أتدرون من هذا الذي تسمعون ؟ قالوا : لا . قال هذا من أكبر قساوستنا – ولم يقل : علمائنا – أتعلمون لماذا سجنته ؟ قالوا : لا . قال : لأنّه أفتى بعدم جواز بيع السلاح لكم . فقال النصارى : والله لو كان هذا قِسِّيساً عندنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها . فخجل الملك وأطرق وأمر بالإفراج عن العز بن عبد السلام .
هؤلاء هم العلماء هؤلاء هم الذين تنطبق عليهم مقولة الحسن : ( كانوا يقولون : موت العالِم ثُلمة في الإسلام لا يسده شيء ما اختلف الليل والنهار ) إيّاكم أن تظنوا أنّي أبيح الكلام في عرض الناس ممن لم يكن عالماً فالغيبة حرامٌ بالاتفاق ولا تخفى على أمثالكم هذه الحرمة لكن ليس معنى أنّهم كانوا علماء أنهم لا يخطئون ولا يجانبون الصواب فليس هناك من رجل إلا ويؤخذ من كلامه ويرد إلا محمد – صلى الله عليه وسلّم – ولا يظن الجهلة أن الخلاف لا يكون إلا ممن هو أكبر سنّا للمُخَالَف فقد ثبت أن ابن تيمية خالف من هو أكبر منه في عصره وكان الحق مع ابن تيمية وكذلك الشيخ ابن باز خالف الشيخ محمّد بن إبراهيم – رحمهم الله – وكان الصواب مع ابن باز ولتدعو عنكم فكرة تبجيل العلماء والأخذ بكلِّ ما قالوا فلابد للبشر بطبيعتهم أن يغفلوا ويخطئوا فالحق لا يقاس بحامله بل الرجل يقاس بما يحمل من حق . وبعضهم يتعصّب فإن كان هذا الرجل من بلده ناصره وأيّده بقوله وإن كان من غير بلده رفض قوله جملةً وتفصيلاً وبعضهم حاله كحال ذلك الشاعر الذي يقول :
وهل أنا إلا من غُزيَّة إن غوت - - - غويت وإن ترشُد غزية ُ أرشُدِ
فتجد أن الأكثرية وسمعناها كثيراً حين يورد اسم الشيخ يقال أهو من بلاد الحرمين يقال لا . فيقول إذاً لا تلتفت لقوله – أي علماء الوقت الحاضر – وكأن الدين حكراً عليكم يا بلاد الحرمين ! وتجد البعض يقدح في فلان وفجأة يأتي ويمتدحه فقط لأنه علم أنّ شيخاً من أهله أو من عشيرته امتدحه ! وهذا من التعصّب المذموم يقول عنْه أبو حامد الغزالي : ( وهذه عادةُ الضعفاء يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق ) .
فهل تفقه يا من كرّست وقتك للنيل من العلماء والغريب في الأمر أنّه هناك جهلةٌ ضعافُ نُفُوس حينما يريدون تبين زلةٍ لعالم يأتون بكلّ ما قد أخفق فيه من قبل فتجد العالم أخطأ في مسألة في الصلاة ويأتي هذا ( المتعالم ) ويتكلم على الشيخ ويقول وقد أخطأ قبل هذه المرّة في مسألة في البيع والشراء وأخرى في الحج وأخرى في كذا وكذا وكأنه كُلّف بتصيد الأخطاء عليه ليس توضيحاً للخطأ بل لأجل أن يقال عنه عالم حيث أنّه سبقه وأتى من هو أعلم منه وبيّن مجانبة العالم وقتها للصواب فقط يريد نعتَ الناسِ له بالعالم والأغرب والأعجب من هذا كلّه من يتطاول على أهل بيت العالِم فتجده يتحدّث في زوجته وأهله وأولاده و و و ... غريب أمرهم أؤلئك المتعالِمين !
وما يفتُّ القلب كمداً وحزناً هو تأثر بعض طلاب العلم ممن هم مازالوا أحداثاً في السن
بالعلمانية فأخذوا ينتهجون منهج العلمنة في اللمز وتصيد الأخطاء على العلماء .
لست أقصد الدعاة بل العلماء !
وهناك في جعبتي حديثٌ كثير لكني آثرت الاختصار وإن لم أوفق إلى بلوغه .
قال يحيى بن معين : ( الذي يحدّثُ بالبلد وفيها من هو أولى منه بالتحديث فهو أحـمق ) . واعذروا لي حماقتي فلست إلا حدث سن وفيكم من هو خيرٌ منّي علّكم تسهمون في الطرح لتعُمَّ الفائدة .