حركة كفاية

حركة كفاية








- لا أعرف عدد الأحزاب السياسية بمصر و"كفاية" تحتاج لإعادة هيكلة

- رحيل الحكومة صعب والوزراء حوَّلوا البلد لمصالحهم

- العصيان المدني يحتاج لإجماع و"خليك في البيت" جس نبض



حوار- علاء عياد

"كفاية" حركة سياسية مصرية ظهرت في صيف 2004م، حصلت على اسم "كفاية" استعارة من تصريحٍ للرئيس الماليزي السابق "مهاتير محمد".. كان أول ظهورٍ لها في شكل تجمعٍ لمجموعةٍ من المثقفين والكُتَّاب وأساتذة الجامعات الذين عارضوا مبدأ التمديد للرئيس مبارك لفترة حكمٍ جديدة ومحاولة التوريث في مصر.



هذه الحركة التي ظهرت ثم خفت نجمها أصبحت محلَّ تساؤل الكثيرين حول الأسباب الحقيقية لما وصلت إليه الحركة الآن، وهل هذا يُنذر بالخفوت الذي يسبق الاختفاء أم أن هناك شيئًا آخر لا يعلمه الشارع المصري.



من هنا كان الحوار مع جورج إسحاق المنسق السابق لحركة كفاية وأحد أبرز مؤسسيها.

* ثلاثة أعوام هي عمر حركة كفاية في الشارع السياسي المصري، وبالرغم من القوة التي بدأت بها الحركة إلا أن البعض يرى أن أداءها تراجع في الآونة الآخيرة ولم يعد بمثل الوهج الذي بدأت به، فما أسباب ذلك؟

** هو ليس تراجعًا، ولكنَّ الحركاتِ السياسية بطبيعتها تنمو مع نمو الأحداث وتنخفض مع انخفاض الأحداث، والفترة السابقة كنا نحن الوحيدين الذين وقفنا في الشارع أمام نقابة الصحفيين ضد التعديلات الدستورية ولم توجد أي قوى سياسية تحتج على التعديلات غيرنا، وهذا دليلٌ أننا مع الحِراك السياسي، كما أن لدينا بعضَ القضايا التي تشغلنا الآن منها قضية الفساد التي نحن بصددها، والتي عندما نصل فيها إلى وثائق معينة سنقوم بنشرها، كذلك قضية التأمين الصحي، ومساندة أهالي سيناء في طلباتهم، وموقفنا كذلك مع أهالي قلعة الكبش، فنحن موجودون في كل مكان، كما أننا بصدد عمل ندوةٍ علميةٍ مُوثَّقة على بيع البنوك المصرية، فعملنا في الساحة المصرية بمعطيات كثيرة جدًّا، وهذا كله يصبُّ في منهج التغيير؛ لأنه منهجٌ تراكمي فلا بد أن تتراكم الأحداث وفي نفس الوقت أن ينخرط الناس، فهل هناك أحد احتجَّ من قبل على بيع بنك، الآن يوجد هذا الاحتجاج، وهذه هي الروح المنتشرة الآن في كل مكان، فالناس الآن تحتج وتعترض وتُعبِّر عن وجهة نظرها فتجد الاعتصامات والاحتجاجات في كل مكان، فهذه روح مختلفة، ونحن لا نريد أن نقول إننا مَن قمنا بكل هذه الأشياء، ولكن رُوح كفاية هي مَن قامت بهذه الأشياء.



لقمة العيش

* هل معنى ذلك أن حركة كفاية صرفت نظرها عن مناهضة التمديد والتوريث الذي كان يشغلها في البداية وأصبح شغلها جذب الشارع المصري؟

** المواطن المصري العادي غير مهتم بالانتخابات أو بالتعديلات الدستورية، ومهتم فقط بلقمة عيشه وما يؤثر عليها؛ لذلك الآن أصبحنا نتحدث عن قضايا المواطن البسيط لنجمع الناس حول إصلاح أحوالهم المعيشية المتعلقة بإصلاح أحوال الوطن، ولو استطاعنا أن نصل إلى صيغة تربط مصالح الناس الحياتية بالمصالح القومية، وهي الصيغة التي لم نصل إليها بعد سنكون قد نجحنا؛ لأنه ليس من المعقول أن تظل الناس تحتج لمدة عامين، فهم يريدون البديل؛ ولذلك نحن نفَّذنا صرخة "خليك في البيت" يوم 23 يوليو الماضي، وهي صرخة أطلقها بعض الشباب المبتكرين ونحن تبنيناها مع حزب الكرامة لتكون تجربةً من تجارب العصيان المدني؛ لأن مصر تعيش حالةً من الغليان تُنذر بانفجارٍ شديدٍ جدًّا، فمن الضروري أن يتعلم الناس أن يعترضوا ولكن الاعتراض السلمي، كما كان يوم 23 يوليو في أن تجلس في بيتك وترفع علم مصر؛ لأن علم مصر هو رمز لكل المصريين، فلا بد أن نتمسَّك به، ولأنه أفضل من أي شيء في الدنيا.





جمال مبارك


وبالنسبة لمواجهة التوريث فهي لم تتوقف، والرئيس أعلنها مؤخرًا أن مَن يُرد أن ينتخب "مبارك" ينتخبه، ومَن يُرد أن ينتخب "جمال" فلينتخبه، وعندما تنظر في تعديل المادة 76 تعرف أنه إذا حدثت انتخابات للرئاسة ليس هناك أحد مرشح إلا جمال مبارك، فهو الوحيد المُهيَّأ، ولذلك ما زال شعارنا مرفوعًا "لا للتمديد ولا للتوريث".



* ولكن البعض يرى أن السبب وراء تراجع حركة كفاية الآن هو ضعف التمويل الذي كانت تحصل عليه الحركة من الخارج، فما حقيقة ذلك؟

** قصة التمويل هذه تجرحنا كثيرًا؛ لأن تمويلنا داخلي، ونحن نتحدَّى أن يُثبت أي شخصٍ أننا أخذنا أي مليمٍ من أحد، ومن لديه وثيقة يُخرجها، ونحن مستعدون للمواجهة لأبعد الحدود، ففي حركة كفاية أطباء ورجال أعمال وأساتذة جامعة مشهورون، وكذلك موظفون بُسطاء، وكلٌّ يدلو بدلوه، كما أننا لا نحتاج إلى تمويلٍ، فهل عمل لافتة أو بوستر أو إعلان في جريدة هو التمويل؟.



التيار المسيطر

* هناك اتهام من البعض أن حركة كفاية يسيطر عليها طيفٌ سياسي محدد يحاول توجيهها لصالحه سواء على المستوى الشخصي أو الفكري، وهو ما جعلها حركة قطاع خاص وليست حركةً عامةً لكل القوى السياسية المصرية؟

** إن مؤسسي حركة كفاية ستة أشخاصٍ انضمَّ إليهم بعد ذلك بعض الأشخاص لتكون حركة "كفاية" كما هي اليوم، كان من ضمن الستة الأوائل الذين أسسوا الحركة الدكتور السيد عبد الستار المليجي وهو أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والوثيقة التي أصدرناها وقَّع عليها الدكتور عصام العريان والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وهذا دليلٌ على أن حركة كفاية تستوعب كل التيارات وتتواصل مع جميع القوى السياسية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين، فليس هناك تيارٌ مسيطر على حساب تيارٍ آخر، فالحركة مفتوحة لكل الناس.





عزيز صدقي


كما أننا منذ بدأنا لم نترك قوى سياسية لم نتحاور معها؛ فتحاورنا مع التجمع والناصريين والوفد ومع الوسط والكرامة ومع كل القوى الوطنية، ونحن في نفس الوقت مشاركون في الجبهة الوطنية التي يرأسها الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق، وفي بعض الأحيان نُنسق مع البعض منهم في فعاليات مختلفة، فنحن الآن ننسق مع الناصريين ومع الاشتراكيين الثوريين ومع العمل والكرامة والوسط في موضوع التأمين الصحي، فإذا اتفقنا في قضية معينة نُشارك كلنا في هذه القضية، فنحن نتحاور مع الناس، ولكن لا نستطيع أن نفرض آراءنا على الآخرين.



* ولكن الحركة لم تستطع جذب رموز سياسية جديدة؟

** هذه حقيقة، ولذلك نحن نفكر الآن في أن نجدد شباب حركة كفاية، وسوف نعقد اجتماعاتٍ قريبًا مع كل الأعضاء المؤسسين لنطرح فكر حركة "كفاية" من جديد، وسنحاول أن ندعو الآخرين إلى الارتباط بنا، ففكرة جلد الذات زادت داخل الحركة، ونحن نحاول أن نُجدد هذه المسألة مرةً أخرى، وأن نسترجع الرموز التي كانت موجودةً مرةً أخرى.



* على ذكر الأحزاب السياسية، ما رأيك فيها؟

** أنا عندي قناعة أنه إن لم تكن هناك أحزاب قوية في مصر، فلن تكون هناك حياة سياسية حقيقية، ولذلك أدعو الأحزاب أن تترك مكاتبها وتنزل إلى الشارع لتلتحم بجماهيرها وتتعرف على مشاكل الناس بحقيقتها، وتترك الاحتياجات الضعيفة أو المنافع البسيطة، فوجود الأحزاب في الساحة مهم للغاية، ومن غير الأحزاب لن تكون هناك حياة سياسية، فلا يوجد أي شيء يمكن أن يحل محل الأحزاب.





جورج اسحاق


* هل هذا ينطبق على حركة "كفاية" أيضًا؟

** حتى "كفاية" لا يمكن أن تحل محل الأحزاب، فـ"كفاية" حركة احتجاجية وتحريضية، لكن الأحزاب لديها برامج، ولديها رؤية يجب أن توضحها وأن تنزل للناس لتشرحها.



* تحدثت عن التنسيق بين الحركة وبين حزب التجمع والناصرى والكرامة والوفد، فأين باقي الأحزاب الـ22؟

** أنا لا أعرفهم، ولو سألتني ما هي الأحزاب الموجودة في مصر، سأقول لك لا أعرف إلا التجمع والناصري والوفد والعمل "المجمد" والوسط تحت التأسيس والكرامة تحت التأسيس، ولا أعرف غير هذه الأحزاب، فأين هؤلاء الذين تسأل عنهم؟، طالما أنهم ليس لهم فاعلية فكيف سأعرفهم، فأنا لا أعرفهم لا أشخاص ولا مسميات، ولا أعرف إلا الذي له دور وفاعلية في المجتمع المصري، مهما كان ثلاثة أو خمسة، أعرف مَن يقول وجهة نظر ويحتج ويؤيد.. يفعل أي شيء، ولكن الحقيقةَ أننا لا نسمع صوت أحد منهم.



البديل الخطير

جانب من المشاركين في العصيان المدني


* فيما يتعلق بالعصيان المدني الذي أشرت إليه كيف يمكن تفعيله وتوسيع ثقافته؟

** نحن في الحركة نحاول ذلك، ولكن العصيان المدني يحتاج إلى إجماعٍ وإلى جهدٍ كبير، و"صرخة خليك في البيت" كانت تجربة؛ لأن البديل خطر جدًّا وشيءٌ لا يُحتمل؛ فنحن نريد أن نُعوِّد الناس كيف يمكن أن يحتجوا سلميًّا، وهذه المرة كانت يوم إجازة، والمرة القادمة سيكون يوم عملٍ؛ فمصر وصلت إلى مرحلةٍ مترديةٍ والأحوال متدهورة وسيئة للغاية.



* ذكرت أنكم بصدد إعداد ملفات للفساد، كيف كانت الفكرة؟ وما الآلية التي تتحركون بها؟

** كان الدكتور عبد الوهاب المسيري قد أعدَّ ملفًا عن الفساد في مصر مع بعض الشباب في حوالى 400 صفحة، ورصدوا فيه أهم قضايا الفساد، ونحن الآن نأخذ بعض هذه القضايا المتعلقة بوزراء في الدولة وأخطاءهم البالغة التي حدثت في الفترة السابقة، ونجمع وثائق؛ لأن هذا الموضوع خطيرٌ وحساسٌ لا تستطيع أن تقول فيه كلامًا مرسلاً؛ لأن هذا لن يُعطينا المصداقية، فنحن الآن نُوثق هذه المعلومات، ولكن الحصول على المعلومة في مصر شديد الصعوبة، خاصةً المرتبطة بملفات الفساد، وعندما نكون جاهزين سنَخرجُ بهذا الملف إلى الجميع.



* وما المطروح بعد أن تنتهوا من إعداد هذا الملف؟

** سنذهب إلى النائب العام، فنحن نثق في القضاء المصري ثقًة مطلقًة، وآخر حائط صدٍّ للشخص المصري هو القضاء، ولذلك أنا أقول للقضاء إننا في عرضكم.



بجاحة

عمليات تزوير واسعة شهدتها انتخابات الشورى


* من وجهة نظرك ما مشكلة مصر السياسية؟

** مشكلة مصر السياسية الآن هي الاستبداد، فما حدث في انتخابات الشورى هو مظهرٌ واضحٌ جدًّا من مظاهر الاستبداد والتزوير الواضح؛ وبالرغم من ذلك ظهر أحد المسئولين في منتهى "البجاحة" ليقول: إن مصر تعيش أزهى عصور الديمقراطية، وهذا الكلام يجعل الشخص يُجن ويفقد صوابه.



وعندما تتحدث عن الفساد الموجود الآن في مصر، يقولون: الفساد موجود في كل مكان، بالفعل الفساد موجود، ولكن ليس بهذه النسب المرتفعة؛ فمصر تحتل المركز 137 في الشفافية، فهل حاسبت الحكومة أحدًا على خسائر بنك القاهرة الذي يُباع الآن؟، وليس أدل على الشفافية مثلما حدث في تكلفة بناء مبنى جراج رمسيس، وكذلك تكلفة هدمه، أليس الأولى من هذه الأموال المُهدرة أن يقوموا ببناء بيوتٍ لأهالي قلعة الكبش أو إمبابة أو العشوائيات؟، هل تتخيل أن في مصر 1221 عشوائيةً منها 76 في القاهرة، بالإضافة إلى المذابح على الطرق السريعة يوميًّا، والتي أعتقد أنه يُقتل عليها أكثر ممن يُقتل في العراق.



إن ما يحدث الآن في مصر هو فوضى وفساد وعدم كفاءة، مصر أصبحت تعيش الآن على المجاري ولا يوجد مياه للشرب، يجب أن يُسأل هذا النظام عن 40% من الشعب المصري تحت خط الفقر ولا يَملك قوت يومه، فماذا فعل هذا النظام وإلى ماذا وصلنا خلال 25 سنة؟، لقد وصلنا إلى حالة سيئة للغاية، وأنا أقول لهذا الحكومة: يجب أن (تختشوا على دمكم وتتكسفوا وترحلوا وترحمونا).



حق الرقابة

أحمد نظيف


* هل ترى رحيل الحكومة بهذه السهولة؟!

** للأسف لا.. فنحن يحكُمنا وزارة رجال أعمال تبحث عن مصالحها وليس مصالح الأمة، فالوضع الاقتصادي الذي يحكمنا سيئ وجعل الناس تلجأ إلى طرقٍ غير مشروعة وتسرق كي تنال حقوقها؛ ولذلك ضروري جدًّا أن يكون لدينا محاسبة جيدة وشفافية عالية ليست كالشفافية التي تحدثوا عنها في بيع بنك الإسكندرية الذي قال عنه رئيس الوزراء أحمد نظيف بأنه بِيعَ بشفافيةٍ عاليةٍ، وأنه حقق مكاسب هائلة، ليأتي الدور اليوم على بنك القاهرة، وأنا أتساءل لماذا تُرك بنك القاهرة يقع هكذا؟ وما هي الأسباب؟، ولماذا يُباع إلى مستثمرٍ أجنبي ولا يُباع إلى المصريين؟ لماذا يُترك الأجانب يسيطرون على الاقتصاد المصري مرةً أخرى؟، وهل هي تعليمات من البنك الدولي؟، ضروري أن يكون هناك وضوحٌ أمام الناس، حتى تقبل هذا الأمر، لكن أن يأتي فجأةً في أثناء الإجازة الصيفية لمجلس الشعب ورغم تصريحات كثيرة بأن آخر البنوك بيعًا هو بنك الإسكندرية، فهذا غير مقبول، لقد أصبح الشعب لا يُصدق شيئًا من هذا النظام، فهو يكذب كما يتنفس.



فالفساد الذي يلعب دورًا في تخريب حياتنا يحتاج إلى وقفةٍٍ لأنك لو عملت في هذا العفن طوال الوقت لن يكون هناك نتائج، وأنا أضرب لك مثلا بسيطًا على الخديوي إسماعيل الذي يتهمونه بأنه أغرق مصر في الديون، فعندما وجد الخديوي إسماعيل أن الأراضي التي على جانبي القناة قد أخذتها الشركة الأجنبية التي تقوم بحفر قناة السويس، وشعر أن هذا إجحافًا لحق مصر، فدفع مبلغًا من المال لاستعادة الأراضي التي على جانبي القناة، وفوجئ بعد ذلك بأن الشركة نفسها تمتلك أراضي زراعية في الإسماعيلية؛ فاشترى الفدان بـ30 فرانكًا، وأعطاها في المقابل بعد ذلك للفلاحين بـ10 فرانك ليسترجع الأرض لأصحابها المصريين، هذا هو الخديوي إسماعيل الذي يتهمونه بأنه أغرق مصر في الديون؛ ولذلك نحن مع حقِّ الانتفاع للأجانب لتعود ثانيةً للمصريين وليس مع حق الرقبة، فمصر الآن بهذه الصورة تُباع وهذه هي الخطورة، لقد أصبحت الدنيا الآن "ضلمة وخربانة"، فالحزب الوطني "خرب البلد خراب مستعجل"، والتعديلات الدستورية التي حدثت ما هي إلا حوار للطرشان.